حب الوطن

الكلمات تتبخر في الهواء والأفعال تنبت في الأرض، أو هكذا قيل. ولكن الكلمات لا تتبخر إذا ما تركت في النفس أو السلوك أثرا. وادعاء الشيء أيسر من إثباته. ففي ظل الأجواء الاحتفالية في يوم الاستقلال والتحرير لبلدنا الراقية الكويت، تتجدد الدعوة لترسيخ المعاني في حب الوطن.


قبل أيام، غاب أحد زملائنا عن العمل (24 فبراير) لأن الأطفال الأحباب المجتمعين للاحتفال على قارعة الطريق قد أصابوا سيارة زوجته بالبالونات الممتلئة بالماء والصخر، فتهشم زجاج سيارتها، واضطرت إلى الذهاب معه إلى أقرب مخفر شرطة.

ومع ما أصابهم من أذى نفسي، اعتذروا عن العمل وضاعت إنتاجية موظفين (وربما أكثر) أحدهما في القطاع الحكومي والآخر في الخاص، ولسبب تافهة هو «ادعاء الوطنية»! كفوا أولادكم يا سادة عن هذه الممارسات الشاذة وطنيا وأخلاقيا ودينيا، وعلموهم أن حب الوطن ليس بملابس ملونة فاخرة، ولا بزينة ظاهرة على المركبات أو المنازل، وليس بالتأكيد بإيذاء الآخرين في سبيل إضحاك النفس والرفاق. هذا «هراء وطني»، مازال يبين اعوجاجه كل خير ونير من العلماء والمربين وأهل المنابر.

هذه دعوة لإعادة كتاب التربية الوطنية قولاً، وسلوكاً، واختباراً على أرض الواقع، لا في قاعات الاختبار في المدارس والجامعات! اصطحبت بالأمس ابني الصغير لخطبة الجمعة، وقد استمع معي لمعنى حب الوطن الذي جاء ملخصاً مبسطاً مؤثراً في الصغار ومذكرا للكبار.

حب الوطن سلوك وليس كلمات، حب الوطن عمل يرتقي بأداء الوطن، وإنتاجيته، ومؤسساته، وثقافته. حبّه يجمع القلوب ويوحد السواعد للبناء والعطاء. حبّه يتضح باحترام الآخر، والمقيم والكبير والفقير. حب يتجلى بأسماء من سبقونا كثيرا بعطائهم للكويت أمثال العم صالح العجيري – رحمه الله – ود.عبدالرحمن السميط – غفر الله له – بأفعال من نور.

ولهذا نحن بحاجة أن يتسيد المشهد العام والأخبار المحلية رجالات الكويت في كل المجالات ما عدا الساسة منهم، الذين مازال بعضهم يشوه تاريخ الكويت وسمعتها.

فالخلافات السياسة كثرت، والسلوك السياسي في أدنى دركاته سواء بالأعمال أو الأقوال، ولا ترتقي للذكر، ولا يسترشد بها المربي في بناء شخصية وثقافة الأجيال القادمة! اختصارا، سمعة الوطن من حبه، وحبه يعني التفاني من أجله أيا كان موقعك ودورك وانتماؤك. والتفاني لا يأتي بدون إحساس بالمسؤولية وبالالتزام بقيم المواطنة الحقة.

وللمغتربين من أبنائنا نقول، كونوا قدوة للآخرين في الدراسة، والجد، والعمل، والتجارة، والخلق. فأنتم علم الكويت الذي يرفرف كل يوم خارج الديار، فعبروا عن حبكم للكويت بفخر واقتدار.

بقلم: محمد ناهس. نشر في جريدة الأنباء 7 مارس 2022