من يكترث لحلمك

لكل منا حلم، قد يكون حلما قديما بقدم الطفولة وعهد الصبا، أو حلما جديدا ثائرا يطل برأسه على واجهة حياتنا، فماذا به نفعل؟!

قد تكون أحلامنا كثيرة وربما متشعبة، ولتحقيقها نحن بحاجة لعدة عوامل بيئية وسمات شخصية تمكننا من نشوة الوصول إلى الحلم. سأرتكز هنا فقط على نقطة واحدة أرى فيها جوهر النجاح والبداية، وهو سلوك خفي يتحلى به الناجحون وقلما حدثنا عنه المختصون. المفتاح باختصار هو: «ألا تنتظر دعما من أحد!».

نعم هذه هي نصيحتي لك، ولنفسي أولا. ما أقصده حقا هو أنك قد تتلقى بعض الدعم أو التشجيع من بعض المحبين أو الأساتذة السابقين لك في العمر أو سنوات الخبرة، ولكن هب أن أحدا لم يكترث بحلمك، بطموحك، بأفكارك، بساعاتك الذهبية المنقضية، فماذا أنت فاعل؟!

أعلم أن الإجابة النموذجية التي تقفز إلى الذهن هي أن تقول «لا، لن أنتظر». أما إذا تأملت الواقع، فغالب الناس يتخلى عن حلمه أو أحلامه عندما لا يتلقى الدعم الكافي أو التشجيع المناسب أو التصفيق الحار!

المفتاح باختصار هو: «ألا تنتظر دعما من أحد!».

لأقرّب الصورة أكثر: تخيل حلمك وكأنه صاروخ يستعد للانطلاق إلى القمر! ما أجمل أن ينطلق هذا الحلم في فضاء الواقع ومدار المستقبل، وبطاقة حرارية توازي قوة إرادتك. تخيل معي لثوان معدودة، ماذا لو لم تمتلك منصة أو قاعدة لإطلاق الصاروخ الخاص بك؟! ماذا لو أن الجميع رفض أن يمنحك قطعة أرض مهيأة لتنطلق منها، أو حتى لتؤجرها فقط للإطلاق؟ ما هو مصير الاستمرار أو الاستسلام؟

ألهمني استشهاد من قصص القرآن بهذه الخاطرة. فعندما أمر الله تعالى نبيه نوح عليه السلام ببناء السفينة وأخبر بأن قومه سيحل عليهم غضب من الله بالغرق والطوفان، أمر نوح عليه السلام بصنع سفينته في وسط الصحراء! نعم، كانت فعلا في وسط الصحراء وبوحي من الله عز وجل. قال تعالى: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا). عندها، مر عليه قومه فسخروا منه، وقالوا: يا نوح، كنت بالأمس نبيا واليوم قد صرت نجارا، استهزاء به. كيف تصنع هاهنا سفينة؟ أنت بعيد عن البحر! أما نوح عليه السلام فكان عظيم الثقة بربه، مؤمنا بوعده ونصرته.

تخيل حلمك وكأنه صاروخ يستعد للانطلاق إلى القمر!

ولما انتهى من بناء السفينة، وأمر الله تعالى نوحا عليه السلام بحمل من أمر بحملهم عليها، هيأ الله له الأسباب فقال: < بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم > «سورة هود: 41». وكان من أمر الله أن تمطر السماء، وأن تتفجر الأرض عيونا. < ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر> «سورة القمر: 11، 12». لقد آمن نبينا نوح بدعوته، واستمر بنصحه، ولم يتكاسل – حاشاه – لقرون، وقيل ألف سنة إلا خمسين عاما. ورغم الاستهزاء، والصد، والتكذيب، إلا أنه واصل العطاء بصبر وثبات.

ولذا، تذكر أن السفينة بنيت في الصحراء، وأن دعاءك يسمع في السماء، وأن طموحك متى ما ناطح العلياء واستعنت برب الأرباب ستهيّأ لك الأسباب.

بقلم : محمد ناهس العنزي

نشر في جريدة الأنباء – 7 أبريل 2023