مدراء من العصـر الطباشيري!

كتبه: محمد ناهس

‏استيقظت ذات صباح فزعا من نومي وإذ بي أردد:”الديناصورات لم تنقرض! الديناصورات لم تنقرض!”
قلت في نفسي: من أين تسلل هذا المشهد إلى مخيلتي؟ ولماذا ترددت هذه الكلمات على لساني؟!
ورغم أنني من المحبين لمعرفة أسرار العوالم الأخرى كعالم الحيوان والنبات إلا أنني نادرا ما أجد الوقت الكافي لمشاهدة قناة ناشيونال جيوغرافيك (National Geographic) لسبر عوالمهم وأسرارهم. وما هي ‏إلا دقائق معدودة حتى تخيلت صور الديناصورات وهي جالسة على مكاتب إدارية، تقلب المعاملات وتستقبل المراجعين! ‏

تأملت للحظات وبدأت أرصد أوجه تشابه كثيرة بين تلك الديناصورات التي قيل لنا أنها انقرضت وبين بعض بني البشر الذين تقمصوا شخصية الديناصور فأبوْ إلا أن يقلدوه.
‏أول أوجه هذا التشابه: أن الديناصورات كانت مهيمنة على سطح الكرة الأرضية لفترة زمنية طويلة قيل أنها تجاوزت المائة مليون سنة! وبالمثل فإن بعض المدراء في بعض الجهات الحكومية (وربما الخاصـة) ‏يبسط هيمنته على المنظومة الإدارية ويطفئ نور الطاقات البشرية لفترة زمنية طويلة تشعرك أنها تتجاوز المليون سنة!

ثانيها: ‏أننا في الغالب نستخدم مصطلح الديناصور لنشير مجازا إلى عالم منقرض وبائد! وبالمثل، فإن الأنظمة الإدارية التي يزرعها وينمّيها بعض المدراء هي ‏أنظمة بالية متهالكة تهلك العقل وتمرض القلب، فلا تستقطب كفاءات إدارية واعدة ولا مواهب نابغة، ناهيك عن فشلها في الحفاظ على ما تبقى من مهارات وإمكانيات المؤسسة التي يديرونها.

ثالثها: ‏أن حجم الديناصورات الضخم والهائل شبيه بشبكة علاقات هؤلاء الثلة البائدة من “مدراء العصر الطباشيري” والتي تتسم بانتشارها ‏في مساحات ضخمة من المؤسسة أو الكوكب! ‏حيث أن أحجام تلك الديناصورات الإدارية غالبا ما يتناسب طرديا مع حجم المؤسسة الحكومية التي يتطلب منهم إدارتها أو السيطرة عليها!

5 ظواهر تبرهن على أن الديناصورات لم تنقرض!

“العنوان الأولي للمقالة”

رابعها: ‏أفادت بعض الدراسات إلى أن الديناصورات ظلّت قادرة على البقاء على قيد الحياة في ظل مناخات مختلفة وكانت قادرة على تغيير درجة حرارة جسدها لتتأقلم مع المناخ الخارجي! حيث تم اكتشاف ديناصورات قطبية في استراليا وفي القطب الجنوبي وأخرى عاشت في مناخ معتدل ودافئ!
وبالمثل، ‏فإن بمقدور تلك العصبة الإدارية – وللأسف – التأقلم مع عدة قيادات ومحاولات مسؤوليهم في تدوير المناصب وتجديد الدماء فتجد نفس الوجوه لعدة سنوات وربما عقود. مما يجعلنا نتساءل أحيانا: ‏هل هم من ذوي الدم الحار أم الدم البارد، حتى يتكيفوا مع كل هذه التغيرات؟!

التشابه الخامس والأخير: هو أن الديناصورات وإن عاشت فترة طويلة ممتدة لقرون فإن مصيرها آلَ إلى الأنقراض كليا، وأصبحنا نطالع تاريخها في المتاحف والكتب وغيرها. لكن انقراضهم مازال يشكل مادة علمية زاخرة للعلماء والباحثين. وكذلك الأمر، فإن الديناصورات الإدارية المعاصرة ستجد نفس المصير وهو الاندثار وسيشكل أسلوب إدارتها وطريقة عملها مادة بحثية مهمة ‏لأولٰئك المهتمين في تطوير النظم الإدارية والفكر القيادي الحقيقي وثقافة الإنتاجية في المؤسسات الحكومية على وجه الخصوص.

وأختم بربما، وهو يوم نشاهد فيه صورا محنّطة في المتاحف البشرية للمدراء البائسين ولكل من سولت له نفسه أن يعرقل مسيرة نمو موظفيه ويحطم تميزهم ويكبت تألقهم ويهمش الطامحين لخدمة بلدهم.

< حقوق الصورة:canva>