حكاية ثانية

في عالم الرياضيات، كل المعادلات لها حل، وكل الاحتمالات يصحبها معطيات. أما في عالمك أنت، فأنا أعترف بأني لم أدرس هذا الاحتمال، لم أتوقعه. كيف وأنت من درّسني منهج الحياة، وحساب التبعات، وخوض التضحيات. لم آخذ دروساً خصوصية عند أحد لأنك وعدتني “لن أحيد عن المنهج الذي اتفقنا عليه”. حتى القصص التي عبر دخانها بالقرب من نافذتي، رجوتني في كل حين، ألاّ أستمع لها، وألاّ أعير لحكايات النساء أي اهتمام.

فقلبك هو سكناي التي أحببت، ورأسك هو الوقار الذي قبّلت، وعينك هي التي بنورها أبصرت.

كئيبة هي قهوتي هذه الأيام. أتساءل عن فائدة ما تعلمته خلال ثلاثة عقود بتُّ فيها على عتبة حبك! فرّطت في كل شيء إلا بك. كنت أنت الزوج والأب والحبيب الذي أثمر حبّه عن أبناء نجباء رحماء. يتبادر لي في كل لحظة، منذ أن قررت الهجر والتخلّي، ما الذي لم أقم به أو علّني أهملته حتى تكون مكافأتك بهذه القسوة.

مرضتَ فكنتُ ضمادك ووسادتك، ظمئتَ فكنتُ لك الراوية والحانية، ولما تلاشى بصرك، بتُّ لك الهادية العادية.

أمسكتُ بيمينك وبعصاك، وأنا التي لم تعصك في حضورك وغيابك. نعم، جملّت لك ما أستطيع من سير المقرّبين كي لا أُعاب أو أهاب. ما يهمّني هو أنت..لأنك المقرب المحبّب. كنت تمارس ذات الفعل غير أني أخشى الولوج في تفاصيل يومهم وعيوبهم. سلكتُ معك دربا قلّما سبقني إليه أخريات، حتى تمكنت من صدّ كل اللّوم واللّكمات. كنت تستحق أن أردّ عنك أقوالهم وسهامهم.

كان لديّ حلم أن أبدّد خرافات النساء، فالأولى تتفوق على من بعدها في كل المقايـيس والدرجات. وإذ بالثانية تأتي من بعيد على فرس أصيل، وذوق جليل لتمحو هموم ماض شكوت منه مراراً، وتستبدل لك ذكريات مشوهة بحاضرٍ مزهر مُلهم.

كنت أسابق حلمي حتى أجمّل أحلامك، وأراهن على صبري لأبدد أوهامك. حينها، حتى عن نومي تنازلت كي أنصت لتحدياتك. آثرت الصمت لأفكاري علّ العالم يصدح بأزيز نجاحاتك.

مرضتَ فكنتُ ضمادك ووسادتك، ظمئتَ فكنتُ لك الراوية والحانية، ولما تلاشى بصرك، بتُّ لك الهادية العادية.

فخورة أنا بما قدمت وأنجبت وتحملّت، ومن غير نعومة أظفار أكملت، أو لدلال الصغار حصلت. أدركت من هذه الحياة أن العطاء هو سر السعادة والجمال، وأن الأجر بيد العظيم ذي الجلال. فالدنيا دار زراعة لا حصاد، وأنت يا من تخصّص ببناء الدور والأدوار، علمتني ألاّ اكترث بحطام الدار. فقلبك هو سكناي التي أحببت، ورأسك هو الوقار الذي قبّلت، وعينك هي التي بنورها أبصرت.

أنا لم تعنيني أرقام فردية ولن تضعفني نزعات بشرية، أنا باحثة ببساطة عن حياة زوجية، ودية لا وردية، جدية لا جدلية. أما وآن غروب التضحيات الأزلية، وبات الوفاء أيقونة هزلية، وتبخرت حروف الحب الأبجدية، لم يبق إلا صلاة ودعاء، وسجادة كنت أهديتها في ليلة عرسي البهية.

*****